كلمة الرئيس الفخري للجمعية الشيخ رفيق الحريري: (مقتطفات من الكلمة في كتاب سيرة ورسالة للدكتور طلال المجذوب).

“الحديثُ عن المقاصد في صيدا حديثٌ عن المدينة التي أُحبّ، والتي احتضنت عبر عشرات القرون هذا الساحلَ الذي كان يتجمع فيها، وتنجلي فيه. اعتاد الناس الحديثَ عن المدن الساحلية باعتبارها عرائس البحر، أما صيدا فهي البحر والبر معاً. أذكرها في طفولتي فأذكر أزقتها القديمة والعريقة، وبحرها الحنون والأليف، واستنادها إلى تلك الروابي الخضراء، وبساتينها التي تُزهِرُ دائماً، وناسها الذين يفيضون مودةً وسلاماً، وجواراً رحباً، وحباً للصديق والضيف، وقدرةً على الاستيعاب والتوليف، واحتضاناً وجمعاً للأهل.

عرفتُ المقاصد في صيدا، ومدرسةَ فيصل الأول فيها بعد معرفتي لمنزل أهلي في الطفولة المبكّرة. فاجتمع في مشاعري الأمران: بيت الأهل، والمقاصد. وعندما شببتُ عن الطَوق، كانت المقاصدُ هي نافذتي على عالَم المدينة، وعالَم الوطن. وأحسبُ أنّ آلافاً من أهل صيدا يحسُّون نحو مقاصدها الإحساسات نفسها التي أشعُرٌ بها.

لقد كانت عهوداً للصبا، ومرابع للفتوة، ومنابت للوعي بالوطن والأمة. فما عرفت طفولتنا وفتوتنا في صيدا والمقاصد غير أمرين اثنين: الوعي القوي بالانتماء، والحسرة القوية على ضياع فلسطين. ولست أدري أيّهما الأسبق. لكنْ لا شكّ أنّ معايشتنا في طفولتنا لمأساة فلسطين والفلسطينيين، رسمت لمشاعرنا وأعمارنا وحياتنا طرقاً أخرى، ليس في السهل تجاوُزُها أو نسيانها.

تعلمنا في المقاصد الالتزام بفلسطين وبالعروبة. وتعلمنا أن العيش في مُدُن القلب، مثل صيدا، عيشٌ فريدٌ بوجوهه المختلفة السارة والمُحزنة.
فإلى صيدا المدينة، وإلى صيدا المدرسة، وإلى صيدا البحر والبر والرابية، وأزهار الليمون، هذه الكلمة عنها وعن مقاصدها.